تدخلات إيران- تصعيد التوتر وتهديد استقرار المنطقة.
المؤلف: رامي الخليفة العلي11.13.2025

في ظل الأجواء المشحونة التي تخيم على المنطقة، برزت تصريحات من شخصيات قيادية إيرانية تستحضر إلى الذاكرة سجلاً حافلاً بالتدخلات السافرة في الشؤون الداخلية للدول العربية. إن تصريح رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني، محمد باقر قاليباف، بشأن إمكانية إجراء مفاوضات مع فرنسا حول تفعيل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي يتعلق بلبنان بشكل جوهري، يمثل تعدياً صارخاً على السيادة اللبنانية، ويوقظ جراحاً قديمة كانت المنطقة تسعى جاهدة لالتئامها. لم يتوان رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، عن التعبير عن دهشته واستنكاره لهذا الموقف، واصفاً إياه بمحاولة لفرض وصاية غير مقبولة على لبنان. وتعكس هذه الخطوة التي اتخذها ميقاتي استياءً عارماً لدى العديد من اللبنانيين إزاء تكرار التدخلات الخارجية في شؤون بلادهم. وفي خطوة رسمية تعكس هذا الموقف، استدعت وزارة الخارجية اللبنانية القائم بأعمال السفارة الإيرانية في بيروت لتقديم احتجاج رسمي على تصريحات قاليباف، وهو دليل قاطع على أن الحكومة اللبنانية، على الرغم من الظروف الصعبة التي تمر بها، لا تزال مصممة على الحفاظ على استقلالية قرارها الوطني.
لم تقتصر التصريحات الإيرانية المثيرة للجدل على الشأن اللبناني فحسب، بل تعدته لتشمل الجزر الإماراتية الثلاث؛ طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، بالإضافة إلى ملف استقلال وسيادة مملكة البحرين. وفي هذا السياق، جاءت تصريحات كمال خرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية، لتزيد الطين بلة، مما أثار استياءً شديداً من جانب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي، الذي أعرب عن رفضه القاطع لهذه التصريحات واعتبرها غير مسؤولة على الإطلاق. مما لا شك فيه أن تصريحات السيد البديوي تعكس وجهة نظر شعوب وحكومات المنطقة بأسرها، حيث يشهد التاريخ على وجود توتر مستمر في العلاقات العربية الإيرانية، وهو توتر يغذيه تدخل طهران المتواصل في الشؤون الداخلية للدول العربية. لم تسهم هذه السياسة إلا في تعميق حالة التوتر وزعزعة الاستقرار في المنطقة، مما يجعل الحوار البناء والجدي بين الطرفين أمراً في غاية الأهمية، ولكنه مشروط بالاحترام الكامل لسيادة الدول ووقف التدخلات بشكل فوري ونهائي.
تعيش المنطقة اليوم وضعاً بالغ التعقيد، نتيجة لتفاقم التوترات والعدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، بالإضافة إلى الهجمات المتواصلة على حزب الله، مع تزايد احتمالات نشوب مواجهة إسرائيلية إيرانية شاملة. في ظل هذه الظروف الحرجة، يجب على إيران أن تعيد تقييم سياساتها الخارجية وأن تتجنب الوقوع في أخطاء الماضي. فاستمرارها في تبني النهج ذاته لن يؤدي إلا إلى إلحاق الضرر بالشعب الإيراني نفسه قبل أي طرف آخر. فالمنطقة بأمس الحاجة إلى الاستقرار والسلام، وإيران مطالبة بالعمل بجدية على تحقيق هذا الهدف بدلاً من تقويضه. ولعل الوضع في لبنان خير مثال على ذلك، حيث وافقت السلطات الشرعية المتمثلة برئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة على تطبيق القرار 1701، كما دعت قوى المعارضة المجتمعة في معراب إلى تنفيذه، وكذلك فعلت القيادات الروحية التي اجتمعت في بكركي، ويعتمد القرار بشكل أساسي على تطبيق القرار 1559 الذي يدعو إلى نزع سلاح جميع الميليشيات، وعلى رأسها حزب الله. وما ينطبق على لبنان، يسري أيضاً على جميع الدول العربية. لا يمكن لإيران أن تستمر في لعب دور المعرقل لجهود تحقيق الاستقرار. فالتحديات الجسام التي تواجهها المنطقة اليوم تتطلب تضافر الجهود والتعاون الوثيق، وليس المزيد من الانقسام والتدخلات. وإذا كانت إيران تطمح حقاً إلى أن تكون جزءاً من الحل، فعليها أن تبدأ بوقف تدخلاتها السافرة في شؤون جيرانها والتخلي عن سياسة دعم الميليشيات، لأن استقرار المنطقة سينعكس إيجاباً على الجميع، بما في ذلك إيران نفسها.
